بعد ما عملنا حركة اسمها مصربكرة للتوعية في الشارع بمفاهيم ما بعد الثورة, و خدمة المجتمع كان أول نزول لينا في الشارع بصفة مستقلة هو يوم في حب مصر في قرية العشر الاف فدان في النوبارية- محافظة البحيرة علي طريق مصر اسكندرية الصحراوي. اليوم بدأ بقافلة طبية مجانية لخدمة أهالي القرية اللي لك أن تتخيل أنهم معندهومش حتي مستوصف طبي, و أن وجد عيادات طبية فحدث و لا حرج كشوفات غالية جداً و خدمة متدنية و مهنية الأطباء شبه منعدمة, و لو شخص من الأهالي تعب في نصف الليل عشان يتعالج يروح العامرية أو يروح اسكندرية يعني لو واحدة حامل و وقت الولادة جيه هتولد في السكه قبل ما توصل اسكندرية!!. المهم بعد أنتهاء صلاة الجمعة بدأ توافد الأهالي بأعداد كبيرة للقافلة الطبية, زي بالضبط الغريق اللي أتعلق بقشاية, الناس عيانة و مش معاهم فلوس يتعالجوا أو معاهم فلوس بس مفيش خدمة طبية في القرية فا كله محصل بعضه, و كل الناس اللي كانت بتيجي كانوا عائلات يعني الراجل و مراته و اولاده, أثناء أنتظار الأهالي للكشف كنا بنتكلم معاهم عن مشاكلهم و نشوف أراءهم في كل شئ بيحصل...
أول حاجة كل الناس بلا استثناء بتشكي من عدم توافر الخدمات الطبية, معظم الستات في القرية مبيعرفوش يقروا و يكتبوا و نفسهم في فصل محو الأمية و قالولي أنهم طلبوا ميت مرة عمل فصل محو أمية و كل المسئولين كانوا بيطنشوا, نفسهم يتعلموا عشان يساعدوا اولادهم في المدارس و واحدة منهم قالتلي "أنا لو بتعلم مش هاروح اشتغل عند حد في البيوت" و واحدة تانية حكتلي عن قريبتها اللي انضحك عليها و اتسرقت عشان هيا جاهلة و بصّموها علي عقود بيع و اتخرب بيتها...
الستات حكولي عن صعوبة العيشة: واحدة معاها ولد و بنت في المدارس و جوزها بيشتغل شيال باليوم, من فترة جوزها انكسر و قعد في البيت و هيا لفت تشحت عليه عشان هيا مش بتشتغل, سألتها ليه؟! هو مفيش صندوق تكافل في القرية؟ قالتلي: و لا بيقدروا حاجة قالولي مالكيش فلوس عشان عندك راجل. قولتلها: طب ليه متعمليش اي مشروع صغير زي مثلاً أنك تخبزي عيش و فطير و تبيعيهم, قالتلي: نفسي بس انا محتاجة عالأقل ألفين جنيه عشان أبدأ و احنا مش لاقيين ناكل. ده أنا في الشتا بخبي عيالي من مايه المطر تحت السرير عشان السقف بينقط عليهم.
بيقولولي حتي لو عملولنا مصنع بسكوت عشان يلم البطالة اللي في القرية, معظم الشباب عاطلين لأن مفيش شغل في القرية و اللي عايز يشتغل لازم يطلع بره القرية و يشتغل.
وحكيتلي علي ظلم الشرطة ليهم قبل الثورة, الشرطة كانت بتضرب اي واحد يطلع من بيته بالليل و كان الضابط بيّلبس اي حد مش عاجبه قضايا مخدرات و كان يدخل عالناس في البيوت و ياخدهم, بس بعد الثورة الضابط ده أتشال و جه مأمور القسم راجل محترم و قالتلي أن دلوقتي في حرية و الدنيا أحسن.
واحدة ست أشتكت من غياب الأمان و بتقول دلوقتي أسوأ من قبل الثورة عشان غياب الأمان بس متفاءلة أن بكرة أحسن, بيشتكوا أن مفيش أي حد مهتم بالقرية و طلباتهم و مشاكلهم, نفسها أن الرئيس اللي جاي "يضبط البلد" و ميكونش زي اللي قابله اللي أكتشفه أنه مكانش كويس بسبب الفضايح بتاعته اللي بانت بعد الثورة, و بتقولي أن الحكومة اللي شغالة دلوقتي معملتش حاجة و مش قادرة ترجع الأمان تاني.
اجمل ما في القرية الأطفال اشقيا جداً لكن ابرياء جداً و تشوف الأمل في عيونهم البريئة... أنا اتكلمت مع الأطفال عن مدارسهم و مشاكلهم في التعليم و احلامهم , أماني بتقولي هيا مبسوطة في المدرسة و بتحبها بالرغم ان بعض المدرسين بيضربوهم جامد و الفصل بتاعها فيه 38 طالب و كلهم الحمد لله لاقيين مكان يقعدوا, أماني نفسها تطلع دكتورة, أما بقي رحاب رايحة أولي اعدادي بتقول أن المدرسة مش حلوة عشان مستر صابر بتاع الأنجليزي بيكتب الدرس عالسبورة و يخرج من غير ما يشرح و لو طلبوا منه يشرح بيزعقلهم و بيقولهم انهم لازم ياخدوا درس (طبعاً مش هنلوم عليه كل اللوم لأنه أكيد مرتبه ميتين تلتوميت جنيه) رحاب نفسها تاخد دبلوم تجارة عشان معندهاش امكانيات تدخل جامعة ( اللي زي رحاب كتير هنا).
اما بقي مصطفي رايح تانية ابتدائي و مش بياخد موسيقي و مش بيرضوا ينزلوهم الألعاب. و أحمد ابوه طلعه من المدرسة قبل الأمتحانات عشان المدرسة محتاجة فلوس(طبعاً مجانية التعليم دي اكذوبة لأن التعليم لازم له مصاريف تانية غير رسوم المدرسة زي اللبس و الأدوات المدرسية و المواصلات للمدرسة ...إلخ).
الأطفال بيشكوا أن الوجبات المدرسية مش دايماً بياخدوها و ممكن ياخدوا حاجات شبه بايظة, و مرايل المدرسة بتاعة الأيتام بياخدوها (أنا مش عارفة مين اللي بياخدها. أما اسراء فطلعت من المدرسة عشان ببساطة "مفيش فلوس" !!
اليوم ده سجلنا لقاءات كتير مع أهالي القرية (هنشرها تباعاً) و هما انبسطوا جداً أنهم لقوا حد يسمعهم و يوصل صوتهم لأنهم كانوا حاسين بالأهمال و أن مفيش حد بيهتم بيهم أو بيسمعهم أو عايز يعمل حاجة عشانهم.
سألت بعض الناس عن القنوات التليفزيونية اللي بيحبوها المعظم رد بأنهم بيحبوا و بيتابعوا القنوات الدينية زي "الرحمة" و ناس قالوا بيتابعوا قناة "الفراعين" و ناس تاني معندهمش تليفزيون أصلاً.
المهم الساعة 6:00 مساءاً كان ميعاد الندوة الثقافية و كان الضيوف الدكتور مأمون البسيوني الروائي و الطبيب المشهور, الفنان المحبوب عمرو واكد و الأستاذ أحمد إمام و هما من مؤسسين "الجبهة القومية للعدالة و الديموقراطية" , وكان موضوع الندوة عن "أهمية المشاركة في الحياة السياسية و ضرورة تكوين رأي مستقل". الناس تجاوبت جداً مع المتكلمين و بعتوا أسئلتهم اللي كان جزء كبير منها عن بكرة هيحصل ايه؟, أحنا دورنا ايه؟, و ناس كتير عملوا مداخلات حكوا فيها عن مشاكلهم و امنياتهم للقرية, و كان في ست جريئة جداً اتكلمت عن مشاكل القرية مثل عدم وجود نادي رياضي للأطفال...و ختمنا الندوة بشعر بالعامية للشاعرة أمل درويش و توزيع الألعاب و الحلويات علي الأطفال.
في نهاية الجزء الأول أحب أقولكم أن الأهتمام بالناس دول حق عينا و علي كل مصري عايز مصر تبقي أحسن, الناس دول مصريين و مصر مش هتنهض و تقوم و تشد الحيل غير لما الناس دول و اللي زيهم ياخدوا ابسط حقوقهم زي العمل و الخدمات الصحية و التعليم. فيه قري كتير في مصر غير العشر الاف, اهتموا بيهم زوروهم أسمعوا مشاكلهم و اتكلموا بلسانهم سلطوا عليهم أي ضوء ده بيفرق معاهم جداً...
أحب أشكر شباب حركة مصر بكرة عشان مجهودهم و كل حد ساعدنا مادياً أو معنوياً عشان نتمم الزيارة دي, أحب أشكر الأطباء المتطوعين اللي استغلوا ساعات طويلة متصلة بدون ملل لخدمة الأهالي, أحب أشكر أهالي المنطقة اللي ساعدونا في توفير المكان و حشد الناس, أحب أشكر المتكلمين اللي لبوا الدعوة و قدموا وجبة جيدة من التوعية للأهالي. أخيراً بأشكر كل شخص بيعمل خطوات جدية في طريق مصر بكره...